الانتخابات النيابية والضمير المستتر بقلم د.عبدالكريم محمد الشطناوي ابو انس موقع حواره فادي مرعي حداد

تعلمنا باللغة ان الكلام يتألف من جمل مفيدة ,والجملة المفيدة نوعان: اسمية وتكون مبدوءة بأسم، وفعلية وتكون مبدوءة بفعل ، سواءا كان فعلا ماضيا او حاضرا (مستقبلا) ' او امرا. وأن الجملة الفعلية تتكون من فعل وفاعل ومفعول به ، ويكون الفاعل ( اسما مفردا او مثنى او جمعا) ان كان معروفا ، كما قد يكون الفاعل ضميرا (ضميرا متكلما او ضميرا غائبا او ضميرا مخاطبا) وفي حال اذا ما كان الفاعل ضميرا غائبا فاننا نقدره بضمير مستتر تقديره( هو ، هما للمذكر والمؤنث ، هم ، هي، هن ) وهي أكثر أنواع الضمائر التي تستغل لتلعب دورا سلبيا في الحياة اليومية عامة والحياة السياسية خاصة.
كما تعلمنا من فلسفة العلوم والحياة ان الضمير يتصف بأنه وسط حي فعال يؤلف والشعور النفسي وجهي حقيقة واحدة هي الذهن ' ويتميز عن هذا الشعور ، اكثر ما يتميز بالتطلع الى الغد تطلعا هادفا ملتزما ، وبالقدرة على اطلاق احكام معيارية ، او قيمية، ملزمة تلبي انخراط المرء في خضم الحياة ، وتترجم نظرته الى هدف الوجود فبينما يقتصر دور الشعور على الاتصال بالواقع والحكم عليه، بما يسمح للانسان مثلا بالاجابة على سؤال ( ما انا ؟) فان الضمير او الشعور النفسي عينه يطلق من الناحية الاخلاقية احكاما لا تقتصر على فهم الواقع بدون العناية بتحويره ورسم خطى السلوك والتصرف بحسب معيار ارتباطها بالهدف الاعلى او القيمة المثلى , فيمكـنَ الفرد من الاجابة على السؤال الآتي: ( ما ذا اصنع ؟).
وان اصالة الضمير هي اصالة عمل النفس الذي به تراقب الارادة الذهن' ،وتضبط ما يجيش في الصدر من عواطف وافكار وتصورات ونزوات ، وتخضع ذلك كله لمعيار القيمة المثلى والهدف الاخلاقي الاعلى . وتتضح صلة الارادة بالعمل الاخلاقي اذا نظرنا الى اثر الضمير في مختلف مراحل الفعل الراهن وهي مرحلة ما قبل الفعل , ومرحلة التنفيذ ' ومرحلة ما بعد الفعل ).
والضمير الاخلاقي عالم باطني غني بالعواطف والاحكام والنوايا والارادات , وهذه العناصر الفردية تجعل الضمير او الوجدان في جملته اشبه بحصن حصين ' وقلعة منيعة ' يحسب الغافلون ان ما يجري في داخلهم ' انما يجري وهو بعيد البعد كله عن التأثيرات الخارجية ' ولا سيما العوامل الاجتماعية ولكننا اذا وقفنا قليلا امام هذه العوامل الاجتماعية , ودرسنا استجابات الوجدان او الضمير , اتجاه اعمال البطولة والقداسة ' وشرور النذالة والاجرام , وما يقع بينهما , وجدنا ان هذه الاستجابات على الرغم من اختلافها باختلاف الافراد , انما تعرب عن شعور الضمير الجمعي بأكثر من اعرابها عن ارتكاسات فردية محضة , وفي الحقيقة اننا نستقي مبادئ القيم الاخلاقية في اغلب الاحيان من الحياة الاجتماعية , التي تكتنفنا وتغمرنا من كل صوب , وتخلق في داخل كل فرد منا موجودين : احدهما فردي والآخر اجتماعي .
والمجتمع هو الذي يوقظ الحس الاخلاقي في الفرد, وهو الذي يكونُ ضميره ,ويغذي وجدانه , حتى ان احكام الضمير واوامر الوجدان , لتختلف اختلافا كبيرا بحسب التربية والتعليم , التي يتلقاها الفرد, وقبول مثل اخلاقي اعلى يباين مثلا آخر غيره تبع الزمان والمكان. . والضمير الاخلاقي لا يوجد اذا لم تسبقه تجربة حية واتصال بضمائر اخرى مماثلة ,واذا لم يشترك اشتراكا منتظما مع ضمائر الآخرين .
ويمكن القول ان الضمير شاهد باطني , يقوم بوظيفة المراقب الغريب الذي ينظر الى مايجري في نفوسنا, وما تجريه جوارحنا , فيبين مواطن الضعف والقوة فينا . وان اصالة الضمير تمثل في عمل فردي , تراقب به الارادة جملة ما يجري في الذهن , فتسمح له بحركة معينة من حركات العضوية او لا تسمح, تسرٌع هذه الحركة او توقفها, تشجعها او تمنعها , والاخلاق انما تجري رقابة فاعلة على حركة اتساع ال (انا) ونموها , فتبدل هذه الرقابة بصورة دائمة الحركات التي كانت العضوية ترمي الى تحقيقها لولا تدخل رقابة الاخلاق. ويقظة الضمير , وتعاليم الوجدان وربما كان هذا التدخل حافزا شاحذا , او كان مثبطا مانعا .ومعنى ذلك ان الضمير يعمل بين قطبين: احدهما الموافقة والاستحسان , والآخر المخالفة والمنع والاستهجان.
وان الفاعل الاخلاقي وحده يستطيع استفتاء ضميره , وتحديد الخير والشر , والبحث فيما يجب فعله او يجب تركه, اي في ان يوافق او لا يوافق, يحبذ او يمنع, يستحسن او يستهجن وفي الواقع فان حياة الضمير تقتضي ان يمارس الانسان بالفعل تجربة الامر والهي الاخلاقيين, فالاوامر الاخلاقية تتخمر في الضمير تخمرا خفيا لا يظهر الا بعد ان يبلغ درجة كافية من القوة والنضج. وهذا التخمر يكون ايجابيا في حال الموافقة على الفعل , وسلبيا في حال المخالفة .
وصفوة القول ان الضمير صوت باطني نبيل. يدعو الى الخير , ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . وهو الحكيم الذي يفصل بين الفضيلة والرذيلة . والآمر المطاع , والنور الحي الذي به تتمثل الاخلاق الطيبة, ويهتدي العمل الصالح. ويحقق به الانسان حال البر والتقوى.
وهكذا مما تقدم نجد معنيين للضمير : معنى لغويا , ومعنى فلسفيا اخلاقيا , وكلاهما يلعب دورا هاما وبارزا في الحياة عامة ,وفي الانتخابات النيابية خاصة , ويتجلى الضمير لغويا بانواعه الثلاثة بالانتخابات النيابية بقولنا (صوته, صوتهما للمذكر والمؤنث, صوتهم, صوتهن , صوتي , صوتنا للمذكر والمؤنث , صوتك , صوتك بكسر الكاف , صوتكما للمذكر والمؤنث, صوتكم , صوتكن ), كما يجلى المعنى اللغوي بقولنا ( حكًم ضميرك , عبر عن ضميرك ,نقٌ ضميرك ),وهكذا........
تجري الانتخابات النيابية , ويقال فيها نعوت وصفات كثيرة , ويروُج لها بأنها عرس ديموقراطي , فيها الشفافية والصدق والموضوعية والنزاهة , ويتفنن المروجون لها بالدعاية والإعلام والاعلام , فيتحرك المرشحون والناخبون هنا وهناك , يبذلون الجهد والوقت والمال , ويواصلون الليل بالنهار , داعين الناخبين للمشاركة في الانتخابات واختيار مرشحهم المفضل . ويتحرك معهم بطرف خفي( الضمير المستتر) الذي يتنقل في كل مكان ببراعة ودهاء لا يوصف , فيشارك بترويج الاشاعات والدعايات , ويضحك مل ْ شدقيه لأنه في النهاية سيكون الناخب الوحيد والاساسي الذي سيقرر مصير المرشحين.
لله درك ايها الضمير المستتر , ها انت تجول وتصول جولاتك وصولاتك المتلاحقة والمتكررة في ربوع المملكة , تدعو لانتخابات وتصفها بالنزيهة , وبأنها ستكون بمثابة نموذج فريد يحتذى به , فينخدع بك من ينخدع , بينما الاغلبية ممن خبروك وفهموا اساليبك يقفون متفرجين يرقبونك ويتابعون خطواتك , وهم يراهنون على انه سوف تتدخل لصالح فئة او عشيرة او فرد ما محسوبا على جهة ما , حيث لديك الاساليب المتنوعة والمتعددة , فترفع اسهم بعض المرشحين وتخفض اسهم البعض الآخر , في الوقت الذي ترى به الاغلبية والتي خبرتك وعرفتك وتعرف ان من تروج له لا يستحق كل هذا الترويج حيث ان الساحة مكشوفة ومقروءة لدى الصغير والكبير . ولكنك مثابر مقدام وصاحب همة وعزم لا تكل ولا تمل , وصاحب اساليب مستترة في عهد التكنولوجيا , فقوائم المرشحين ملك يديك تحركها انُى شئت ووفق ما تشاء , فتأتي النتائج حسب ما رسمته وخططت له .
ايها الضمير المستتر :
ما اقساك ؟ وما اقسى حكمك ؟ لم تدخلت لصالح بعض المرشحين وقسوت على العض الآخر ؟ علما بأن الجميع من ابناء هذا الوطن , وجميعهم تغنى بالوطن وخدمته وخدمة المواطن . من الذي خوُلك ومنحك حرية التصرف واصدار صكوك الغفران ؟ تهبها لمن تشاء وتحرمها عمن تشاء ؟ ومن اقنعك بأنك اكثر الناس وطنية واخلاصا وولاءا للوطن والمواطن ؟
لقد حرص الجميع قيادة وشعبا على ان تكون الانتخابات نزيهة وكلها شفافية , وان تكون عرسا ديموقراطيا حقيقيا لا اعلاميا ؟ ولكنك ايها الضمير المستتر تصر على ان تتدخل لتضيع البهجة والفرحة بهذا العرس الديموقراطي على الاغلبية العظمى من المواطنين , وتسبغها على بعض هم في قرارة انفسهم يعرفون انهم لا يستحقون الفوز , وتكون فرحتهم غير مكتملة لأنهم يعيشون لحظة صراع شديد مع النفس , مع ( الضمير الحي ).
ايها الضمير المستتر :
اين ضميرك الحي الذي يفصل الخير عن الشر؟ والفضيلة عن الرذيلة ؟ والحسن عن القبيح ؟ والايمان عن الكفر ؟ الم يخاطبك ضميرك الحي في لحظة خلو مع نفسك ؟ ما معيارك في الحكم على الناس وتقييمك بصلاح زيد عن عبيد ؟ الا ترى ما ال اليه حال بلدنا ومواطننا من عدم استقرار في الحياة العامة عامة والحياة النيابية خاصة ؟ وها انت ترى وتسمع وتحس بما يقوله ابناء الوطن الذين يتوقون ويطمحون الى تشكيل مجلس نيابي معبر عن آمالهم وطموحاتهم لتتحقق امانيهم ورغباتهم بوطن حر عزيز فيه الامن والامان والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع . الا يستحق وطننا ومواطننا ذلك ايها المستتر ؟
الى متى تبقى مسيرتنا النيابية متعثرة تراوح مكانها ؟ ما بين حل للمجلس وانتخابات وهمية ومستترة وصوت واحد , وصعود اشخاص بسبب التدخلات او بسبب التوريث بين الاصول والفروع . هم في الاصل لا مكان لو اتبعت معايير مقننة مدروسة على ضوء الكفاءات والكفايات , وهبوط اشخاص هم الاكفأ لهذا المجلس , وبهم يسمو المجلس ويرتفع شأنه وقدره , وهو بمثابة علو لشأن وقدر الوطن والمواطن . فمواطننا والحمد لله يمتلك الوعي والقدرة على التجديد والابداع وحسن الاختيار , وله الحق بأخذ مكانه الطبيعي على وجه المعمورة .
فقد وصل وطننا العزيز بهمة ابنائه المخلصين , وبفضل قيادة الحكيمة الى منزلة متقمدمة في مختلف ميادين العلم والمعرفة وفوق ذلك كله الامن والامان والاستقرار . فبالله عليك ايها الضمير المستتر حكٌم ضميرك الاخلاقي كي يكون لك خير عون وسند ومعين على ممارسة حقك الطبيعي بموضوعية وشفافية لترضي نفسك ووطنك ومواطنيك ولتنال رضاء قيادتك الحكيمة , ولتظهر وتبان عليك الامان.
ربما يسألني الضمير المستتر , لم اقسو عليه ؟ فأجيبه بأنها ليست قسوة وانما هي تعبير عن معاناة شديدة ذقتها منه وعشتها واكتويت بنارها ومرارتها حين مارست حقي الطبيعي بالمشاركة في الانتخابات النيابية سنة 1997م , يومها لعب دوره السلبي فأفسد عليُ فرصة النجاح كما افسدها على غيري وعلى الناخبين مما اثار سخطهم وغضبهم , ولكن الحكمة والتعقل سادت في تلك اللحظات العصيبة , فتغلب جانب العقل على العاطفة , حفاظا على وطننا العزيز الذي احببناه وعشقناه الى الابد .
وختاما ايها الضمير المستتر , اما آن الاوان لك بأن تعود الى رشدك وتحكُم ضميرك الاخلاقي وليس المهني المادي الذي يلهث وراء عرض الحياة الدنيا , فاننا صغارا وكبارا مقتناك وكرهناك فابتغ لآخرتك كمبتاغك لدنياك لتلقى شيئا ينفعك يوم الحساب والاجر العظيم ,وها نحن ندعوك لتعلن التوبة والرأفة بنفسك اولا وبأبناء هذا الوطن , وهم لا يقلون اخلاصا عنك بل ربما يفوقونك كثيرا جدا جدا , وهذا شيئ مؤكد فهم لا يتاجرون با لوطن ولا يدٌعون الوطنية فهي تسري في عروقهم سريان الروح بالجسد .
ايها الضمير المستتر :
كن ضميرا حيا يشحذ الهمم وينمي القيم الرفيعة التي تسمو بها الاوطان ويعلو البنيان بهمة وعزيمة الانسان المؤمن بربه والمخلص لوطنه وقيادته .
وفقنا الله جميعا لخدمة وطننا وموطننا,,